خواطر الدكتور طارق السويدان حول ليلة القدر

خواطر الدكتور طارق السويدان حول ليلة القدر
القدر من معانيه الشرف الرفيع فهي ليلة شريفة المنزلة جداً جداً ( فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدري ما درجة ذلك : وما أدراك ما ليلة القدر ) وحتى يتم تقريب شرفها للأذهان جاءت أوصاف القرآن في ذلك : ( إنَّا أنزلناه في ليلة مباركة ) ولكم أن تطلقوا الخيال في أنواع البركات إذا جاءت من الغني سبحانه الذي له ملك السموات والأرض ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) تخيلوا ليلة واحدة خير وأشرف من عمر إنسان عاش أكثر من ثمانين سنة لم ينشغل فيها بغير عبادة الله الواحد سبحانه ( حتى بلا نوم ولا طعام أو غيره بل تفرغ كامل للعبادة ليل نهار ) فأي كرم وجود من الكريم سبحانه !! والقدر له معنى آخر وهو : ( تحديد المقدار ) وهذا أمر له علاقة بالركن العظيم من أركان الإيمان وهو ( القضاء والقدر ) وكثير من الناس لا يفرق بين القضاء والقدر القضاء هو الحكم ( مثل أن يقول القاضي ثبتت التهمة على فلان دون تحديد ما هي العقوبة ، وكأن يقول التاجر : أعطوا هذا الفقير ، دون أن يحدد كم )


أما القدر فهو تحديد المقدار ( كم ) ففي كل عام في ليلة القدر تنزل الأوامر الإلهية إلى الملائكة الكرام بمقادير الأرزاق والأمراض والأولاد وغيرها من الأمور التي تم إصدار أحكام القضاء الإلهية فيها يقول تعالى عن ذلك : ( فيها يُفْرَق كل أمر حكيم ) ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) ( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) ( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) إذاً في هذه الليلة تصدر المقادير بالضبط في كل الأمور بكل التفاصيل ، هل لكم أن تتخيلوا ذلك : كل قطرة مطر أين ستنزل ، وكل مخلوق ماذا سيأكل ، وكل حادث كيف سيحدث ، وكل رزق من سيحصل عليه وكم سيكون مقدار ذلك وما هي الشروط اللازمة للحصول على الرزق أو تجنب الأذى .... أي إعجاز عجيب ذلك !!! فسبحان القدير الحكيم العليم ) ولأن هذه المقادير تنزل ومعها شروطها مثل : فلانة ترزق بولد إذا راجعت الطبيب وصلت القيام ودعت بإلحاح أو فلان سيتعرض لحادث إلا إذا ربط حزام الأمان في السيارة وقال دعاء الركوب ... ونحو ذلك فهي ليست أوامر مطلقة بل هي مقيدة بشروط تفصيلية محددة ( الأوامر المطلقة موجودة في اللوح المحفوظ فقط ) ولأننا كبشر لا نعلم هذه التفاصيل فالمطلوب منا لكي نحصل على هذه الأرزاق ثلاثة أمور :
الأول أن نتخذ كل الأسباب اللازمة للرزق أو النجاح والثاني الإلحاح في الدعاء ثم التسليم الكامل مهما حدث ، ولذلك هذا الركن من الإيمان اسمه ( الرضى بالقضاء والقدر )

وليس ( الإيمان بالقضاء والقدر ) فالكل يعرف أن البشر لا يتحكمون بكل ما يحدث لهم ( حتى الذي لا يؤمن بالله تعالى ) بعد كل هذا كيف يتساهل بعض الناس في الاستفادة من هذه الفرصة العظيمة النادرة والتي تتجاوز كل حياة الانسان ؟!

وأخيراً :

الدعاء الذي نصح به الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذا صادفت ليلة القدر هو : ( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني ) فيه ثلاثة أمور متعلقة بفهم أعماق الأسماء الحسنى وهي :
١- الإسم : ( العفو ) والاسم ( الكريم ) من الأسماء الحسنى ال٩٩ التي من أحصاها دخل الجنة
٢-وهي ليست أسماء فقط بلا معنى ( فقد يكون شخص ما اسمه شجاع لكنه في الحقيقة جباناً ، فهذا اسم يخالف الحقيقة ) أما هو سبحانه فاسمه ( العفو ) وهو يحب أن يعفو ، واسمه ( الكريم ) وهو يحب أن يتكرم ويعطي فهو يحب أن تظهر آثار أسماؤه الكريمة في خلقه ، بل هذا سر عظيم من أسرار وجود خلق :
إذ كيف سيظهر اسم (الرحيم) أو (العفو) إذا لم يكن هناك مخلوقات تعصي فيرحمها ويعفو عنها وكيف سيظهر اسم (الكريم) بدون خلق محتاجين لهذا الكرم وهذا معنى الحديث : ( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله ، فيغفر لهم ) رواه مسلم
٣- ( فاعف عني ) فلأنه سبحانه يحب العفو فالمطلوب من الانسان أن يطلب العفو بصدق وعندها سيعطيه الله العفو الكريم ما طلب لأنه سبحانه يحب ذلك ولا ينقص ذلك من ملكه شيئاً اللهم بلغنا ليلة القدر ونسأله سبحانه بكرمه وجوده أن يعطينا فيها أفضل الحظ والنصيب ونسأله من كل ما سأله النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله عليهم السلام وسأله الصالحون من قبل
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنّا